كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَإِن تَجْهَرْ بالقول} تُعلن {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى}.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا حامد أخبرنا بشر بن موسى عن عبد الله بن صالح العجلي، حدَّثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: {يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} قال: وأخفى حديث نفسك نفسك.
وأخبرني عبد الله بن حامد عن أبي الطاهر محمد بن الحسن، حدَّثنا إبراهيم بن أبي طالب عن محمد بن النعمان بن مسيل، حدَّثنا يحيى بن أبي روق عن أبيه عن الضحاك عن ابن عباس قال: السرّ ما أسررت في نفسك، وأخفى أخفى من السّر، ما ستحدّث به نفسك، ما لا تعلم أنّك تحدّث به نفسك.
وروى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال: السر ما تُسرّ في نفسك، وأخفى من السرّ ما لم يكن وهو كائن، قال: وأنت تعلم ما تسرّ اليوم ولا تعلم ما تسرّ غدًا، والله عزّ وجلّ يعلم ما أسررت اليوم وما تسرّ غدًا.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: السرّ ما أسرّ ابن آدم في نفسه، وأخفى ما خفي على ابن آدم مّما هو فاعله قبل أن يعلمه، فالله يعلم ذلك كله، فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد، وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة.
وقال مجاهد: السرّ العمل الذي يسرّون من الناس، وأخفى الوسوسة، وقال زيد بن أسلم: معناه يعلم أسرار العباد، وأخفى سرّه فلا يعلم.
وقال الحسن: السرّ ما أسرّ الرجل إلى غيره، وأخفى من ذلك ما أسرّه في نفسهِ.
ثم وحّد نفسه فقال: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسماء الحسنى}.
{وَهَلْ أَتَاكَ} يا محمد {حَدِيثُ موسى} قال أهل المعاني: هو استفهام اثبات مجازه: أليس قد أتاك؟. وقال بعضهم: معناه: وقد أتاك، وقال: لم يكن قد أتاه ثم أخبره.
{إِذْ رَأَى نَارًا} ليلة الجمعة، وقال وهب بن منّبه: استأذن موسى شعيبًا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله، فولد له ابن في الطريق في ليلة شاتية مثلجة وقد جاد عن الطريق، فقدح موسى النار فلم تور المقدحة، فبينا هو في مزاولة ذلك أبصر نارًا من بعيد عن يسار الطريق {فَقَالَ لأَهْلِهِ} لامرأته {امكثوا} أقيموا مكانكم {إني آنَسْتُ} أبصرتُ {نَارًا لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ} يعني شعلة من النار، والقبس: ما اقتبس من خشب أو قصب أو غير ذلك {أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى} يعني من يدلّني على الطريق {فَلَمَّآ أَتَاهَا} رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها كأنّها نار بيضاء تتقدّم، وسمع تسبيح الملائكة، ورأى نورًا عظيما فخاف وتعّجب، فأُلقيت عليه السكينة ثمّ {نُودِيَ ياموسى إني أَنَاْ رَبُّكَ} وإنّما كرّر الكناية لتوكيد الدلالة وإزالة الشبهة وتحقيق المعرفة، ونظيره قوله للرسول عليه السلام {وَقُلْ إني أَنَا النذير المبين} [الحجر: 89].
{فاخلع نَعْلَيْكَ} وكان السبب في أمره بخلع نعليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى العبيدي قال: حدَّثنا أحمد بن نجدة قال: حدَّثنا الحمّاني قال: حدَّثنا عيسى بن يونس عن حميد بن عبد الله عن عبد الله بن الحرث العنبسي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فاخلع نَعْلَيْكَ} قال: كانتا من جلد حمار ميّت، وفي بعض الأخبار: غير مدبوغ، وقال الحسن: ما بال خلع النعلين في الصلاة وصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه؟ وإنّما أُمر موسى عليه السلام أن يخلع نعليه إنّهما كانتا من جلد حمار، وقال أبو الأحوص: أتى عبد الله أبا موسى في داره فأُقيمت الصلاة فقال لعبد الله تقدّم، فقال له عبد الله: تقدّم أنت في دارك فتقدّم فنزع نعليه، فقال له عبد الله: أبالواد المقدّس أنت؟.
وقال عكرمة ومجاهد: إنّما قال له: اخلع نعليك كي تمسّ راحة قدميك الأرض الطيّبة وينالك بركتها لأنّها قدّست مرّتين.
وقال بعضهم: أُمر بذلك لأنّ الحفوة من أمارات التواضع، وكذلك فعل السّلف حين طافوا بالبيت.
قال سعيد بن جبير: قيل له: طأ الأرض حافيًا، كيما يدخل كعبه من بركة الوادي. وقال أهل الاشارة: معناه: فرِّغ قلبك من شغل الأهل والولد. قالوا: وكذلك هو في التعبير من رأى عليه نعلين تزوّج.
فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي {إِنَّكَ بالواد المقدس} المطهّر {طُوًى} اسم الوادي، وقال الضحاك: مستدير عميق مثل الطوى في استدارته، وقيل: اراد به إنك تطوي الوادي، وقيل: هو الليل، يقال: أتيتك طوى من الليل، وقيل: طُويَت عليه البركة طيًّا، وقرأ عكرمة: طوى بكسر الطاء وهما لغتان، وقرأ أهل الكوفة والشام: طِوَىً بالتنوين وإلاّ جرًّا لتذكيره وتحقيقه، الباقون من غير تنوين، قال: لأنّه معدول عن طاو أو مطوىّ، فلّما كان معدولًا عن وجهه كان مصروفًا عن إعرابه مثل عمر وزفر وقثم.
{وَأَنَا اخترتك} اصطفيتك، وقرأ حمزة: وإنّا اخترناك بلفظ الجمع على التعظيم {فاستمع لِمَا يوحى إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ فاعبدني} ولا تعبد غيري {وَأَقِمِ الصلاة لذكري} قال مجاهد: أقم الصلاة لتذكرني فيها، وقال مقاتل: إذا تركت الصلاة ثمَّ ذكرتها فأقمها، يدلّ عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن يعقوب قال: حدَّثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدَّثنا سعيد بن عامر عن سعيد عن قتادة عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من نسي صلاة أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها، إنّ الله سبحانه يقول: {وَأَقِمِ الصلاة لذكري}».
وقيل: هو مردود على الوحي يعني فاستمع لما يوحى واستمع لذكري.
{إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} فأكاد صلة، كقول الشاعر:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه ** فما أن يكاد قرنه يتنفس

يعني: فما يتنفس من خوفه، والفائدة في الإخفاء التخويف والتهويل، قال ابن عباس وأكثرالمفسّرين: معناه أكاد أُخفيها من نفسي، وكذلك هو في مصحف اُبي، وفي مصحف عبد الله: أكاد أُخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق؟.
وفي بعض القراءات فكيف أظهرها لكم؟ قال قطرب: فإن قيل: كيف يخفي الله من نفسه وهو خلق الإخفاء؟ قلنا: إنّ الله سبحانه كلّم العرب بكلامهم الذي يعرفونه، ألا ترى أنَّ الرجل يعذل أخاه فيقول له: أُذعت سرّي، فيقول مجيبًا له معتذرًا إليه: والله لقد كتمت سرّك نفسي فكيف أذعته؟ معناه عندهم: أخفيته الإخفاء كله، وقال الشاعر:
أيام تُعجبني هند وأُخبرها ** ما أكتم النّفس من حاجي وإسراري

فكيف يخبرها ما يكتم عن نفسه؟ فمجاز الآية على هذا.
وقرأ الحسن وسعيد بن جبير: أَخفيها بفتح الألف أي أُظهرها وأُبرزها يقال: خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته إذا سترته، قال امرؤ القيس:
خفاهنّ من إنفاقِهنّ كأنّما ** خفاهنّ ودق من سحاب مركّب

أي اخرجهن.
{لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} أي تعمل من خير وشرّ {فَلاَ يَصُدَّنَّكَ} يصرفنّك {عَنْهَا} يعني عن الإيمان بالساعة {مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا واتبع هَوَاهُ} مراده {فتردى} فتهلك.
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى قَالَ هِيَ عَصَايَ} وكانت لها شعبتان وفي أسفلها سنان واسمها نبعة في قول مقاتل {أَتَوَكَّأُ} اعتمد {عَلَيْهَا} إذا مشيت وإذا أعييت وعند الوثبة والطفرة. {وَأَهُشُّ} وأخبط {بِهَا} الشجر ليتناثر ورقها فتأكل غنمي، وقرأ عكرمة {وأهسُّ} بالسين يعني وازجر بها الغنم، وذلك أن العرب تقول: هس هس، وقال النضر بن شمّيل: سألت الخليل عن قراءة عكرمة فقال: العرب تعاقب بين الشين والسين في كثير من الكلام، كقولهم: شمّت العاطس وسمّته، وشن عليه الدرع وسن، والروشم والروسم للختم.
{وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ} حوائج ومنافع، واحدتها مأرَبة ومَأرُبة بفتح الراء وضمّها {أخرى} ولم يقل أُخَر لرؤوس الآي.
قال ابن عباس: كان موسى عليه السلام يحمل عليها زاده وسقاءه، فجعلت تماشيه وتحدّثه، وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه، ويركزها فيخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء، وكان يردّ بها غنمه، وتقيه الهوام بإذن الله، وإذا ظهر له عدّو حاربت وناضلت عنه، وإذا أراد إلاسقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي، وكان يظهر على شعبتيها كالشمعتين بالليل تضيء له ويهتدي بها، وإذا اشتهى ثمرة من الثمار ركزها في الأرض فتغصّنت غصن تلك الشجرة وأورقت ورقها وأثمرت ثمرها، فهذه المآرب.
قال الله سبحانه {أَلْقِهَا ياموسى فَأَلْقَاهَا} من يده {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى} تمشي مسرعة على بطنها.
قال ابن عباس: صارت حيّة صفراء لها عرف كعرف الفرس، وجعلت تتورّم حتى صارت ثعبانًا، وهو أكبر ما يكون من الحيّات، فلذلك قال في موضع {كَأَنَّهَا جَآنٌّ} [النمل: 10] وهو أصغر الحيّات، وفي موضع ثعبان وهو أعظمها، فالجانّ عبارة عن ابتداء حالها، والثعبان إخبار عن انتهاء حالها، وقيل: أراد أنّها في عظم الثعبان وسرعة الجانّ، فأمّا الحيّة فإنها تجمع الصغر والكبر والذكر والأُنثى.
قال فرقد السخي: كان ما بين جنبيها أربعين ذراعًا فلما ظهر في موسى من الخوف ونفار الطبع لمّا رأى من الاعجوبة {قَالَ} الله تعالى له {خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا} أي إلى سيرتها وهيئتها {الأولى} نردّها عصًا كما كانت {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} يعني إبطك.
وقال الكلبي: أسفل من الإبط، وقال مجاهد: تحت عضدك، وقال مقاتل: يعني مع جناحك وهو عضده {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سواء} برص ولا داء {آيَةً أخرى} سوى العصا، فأخرج يده من مدرعة له مضرّبة بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يغشي البصر {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكبرى} وكان من حقّه الكبر وإنّما قال: الكبرى وفاقًا لرؤس الآي، وقيل: فيه إضمار معناه {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا} الآية الكبرى دليله قول ابن عباس: كانت يد موسى أكبر آياته.
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} عصى وعلا وتكبّر وكفر، فادعه إلى عبادتي، واعلم بأنّي قد ربطت على قلبه، قال: فكيف تأمرني أن آتيه وقد ربطتَ على قلبه؟ فأتاه ملك من خزّان الريح فقال: انطلق، فإنّا اثنا عشر من خزّان الريح منذ خلقنا الله سبحانه نحن في هذا فما علمناه، فامض لأمر الله، فقال موسى عند ذلك {قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي} وسّع وليّن قلبي بالإيمان والنبوّة {وَيَسِّرْ لي أَمْرِي} وسهّل عليّ ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون {واحلل} وابسُط وافتح {عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي}.
قال ابن عباس: كانت في لسانه رُتّة، وذلك أنّه كان في حجر فرعون ذات يوم فلطمه لطمة وأخذ بلحيته فقال فرعون لآسية امرأته: أن هذا عدوّي، فقالت آسية: على رسلك إنّه صبي لا يفرّق بين الأشياء ولا يميّز، ثم جاءت بطستين فجعلت في أحدهما الجمر وفي الأُخرى الجوهر ووضعتهما بين يدي موسى، فأخذ جبرئيل بيد موسى فوضعها على النار حتى رفع جمرة ووضعها على لسانه فتلك الرُتّة {يَفْقَهُواْ قَوْلِي} كي يفهموا كلامي {واجعل لِّي وَزِيرًا} معينًا وظهيرًا {مِّنْ أَهْلِي} ثمَّ بين من هو فقال: {هَارُونَ أَخِي اشدد بِهِ أَزْرِي} قوِّ به ظهري {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} يعني النبوّة وتبليغ الرسالة {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} نصلّي لك {وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا}.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن عامر: اشدد به أزري بفتح الألف وأُشركه بضم الألف على الجزاء والجواب حكاية عن موسى أنّي أفعل ذلك، قال الله سبحانه {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} قد أُعطيت مرادك وسؤالك يا موسى.
{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أخرى} قبل هذا وهي {إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ} وحي إلهام مثل وحي النحل {مَا يوحى أَنِ اقذفيه} أن اجعليه {فِي التابوت}.
قال مقاتل: والمؤمن الذي صنع التابوت من آل فرعون اسمه خربيل، وقيل: إنّه كان من بردي {فاقذفيه فِي اليم} يعني نهر النيل {فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل} يعني شاطئ النهر، لفظه أمر ومعناه خبر مجازه: حتى يلقيه اليمّ بالساحل {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} يعني فرعون، فاتّخذت تابوتًا وجعلت فيه قطنًا محلوجًا، ووضعت فيه موسى، وقيّرت رأسه وَخصَاصه يعني شقوقه ثمّ ألقته في النّيل، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون، فبينا هو جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذا بتابوت يجيء به الماء، فلمّا رأى ذلك أمر الغلمان والجواري بإخراجه فأخرجوه وفتحوا رأسه فإذا صبيّ من أصبح الناس وجهًا، فلمّا رآه فرعون أحبّه بحيث لم يتمالك، فذلك قوله سبحانه {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} قال ابن عباس: أحبّه وحبّبه إلى خلقه، قال عطيّة العوفي: جعل عليه مُسحة من جمال لا تكاد يصبر عنه مَن رآه، قال قتادة: ملاحة كانت في عيني موسى، ما رآه أحد إلاّ عشقه.
{وَلِتُصْنَعَ على عيني} أي ولتربّى وتغذّى بمرأىً ومنظر منّي {إِذْ تمشي أُخْتُكَ} واسمها مريم متعرّفة خبره {فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ} يرضعه ويضمّه إليه، وذلك أنّه كان لا يقبل ثدي امرأة، فلمّا قالت لهم أُخته ذلك قالوا: نعم، فجاءت بالأُمّ فقبل ثديها فذلك قوله: {فَرَجَعْنَاكَ} فرددناك {إلى أُمِّكَ}. وفي مصحف أُبي فرددناك إلى أُمّك {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} بلقائك وبقائك {وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا} قال ابن عباس: قتل قبطيًا كافرًا.
قال كعب الأحبار: كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة {فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغم} أي من غّم القتل وكربته {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}. قال ابن عباس: اختبرناك اختبارًا. وقال الضحّاك وقتادة ومقاتل، ابتليناك ابتلاءً. وقال مجاهد: أخلصناك إخلاصًا {فَلَبِثْتَ سِنِينَ} يعني عشر سنين {في أَهْلِ مَدْيَنَ} وهي بلدة شعيب على ثلاث مراحل من مصر، قال وهب: لبث عند شعيب ثمان وعشرين سنة، عشر سنين منها مهر امرأته صفيرا بنت شعيب وثماني عشرة سنة أقام عنده حتى وُلد لَه.
{ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ ياموسى}. قال مقاتل: على موعد، قال محمد بن كعب: ثم جئت على القدر الذي قدّرت أنك تجيء.
قال عبد الرَّحْمن بن كيسان: على رأس أربعين سنة وهو القدر الذي يوحي فيه إلى الأنبياء، قال الكلبي: وافق الكلام عند الشجرة.
{واصطنعتك لِنَفْسِي} اخترتك واصطفيتك واختصصتك بالرسالة أو النبوّة {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي} اليد والعصا {وَلاَ تَنِيَا} قال ابن عباس: لا تضعفا، وقال السُدّي: لا تفترا، وقال محمد بن كعب: لا تقصّرا.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تبطئا، وقي قراءة ابن مسعود: ولا تهنا.
{اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} قال ابن عباس: لا تعنّفا في قولكما ولا تغلّظا، وقال السدّي وعكرمة: كنّياه قولا له: يا أبا العباس، وقيل: يا أبا الوليد.
وقال مقاتل: يعني بالقول اللين هل لك إلى أن تزكّى وأهديك إلى ربّك فتخشى.
وقال أهل المعاني: معناه الطُفا له في قولكما فإنّه ربّاك وأحسن تربيتك وله عليك حقّ الأُبوّة فلا تجبهه بمكروه في أوّل قدومك عليه، يقال: وعده على قبول الإيمان شبابًا لا يهرم وملكًا لا يُنزع عنه إلاّ بالموت، ويبقى عليه لذّة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته.
قال المفسّرون: وكان هارون يومئذ بمصر فأمر الله عزّ وجلّ أن يأتي هو وهارون، وأوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى فتلقّاه إلى مرحلة وأخبره بما أُوحي إليه فقال له موسى: إن الله سبحانه أمرني أن آتي فرعون فسألت ربّي عزّ وجلّ أن يجعلك معي.
وقوله: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} أي يسلم.
فإن قيل: كيف قال: لعله يتذكر أو يخشى وعلمه سابق في فرعون أنّه لا يتذكّر ولا يخشى؟.
قال الحسين بن الفضل: هو مصروف إلى غير فرعون، ومجازه: لكي يتذكّر متذكّر أو يخشى خاش إذا رأى برّي وإلطافي بمن خلقته ورزقته، وصححت جسمه وأنعمت عليه ثم ادّعى الربوبية دوني.